اخبار العراق الان

روسيا العدو المؤقت والدائم وكيانات تحركها رقعة الشطرنج بالشرق الأوسط

روسيا العدو المؤقت والدائم وكيانات تحركها رقعة الشطرنج بالشرق الأوسط
روسيا العدو المؤقت والدائم وكيانات تحركها رقعة الشطرنج بالشرق الأوسط

2018-12-10 00:00:00 - المصدر: رووداو


كان اهتمام روسيا بالكورد في المقام الأول مبني على رؤيتها العسكرية في فرض السيطرة على المجتمعات المحلية التي تعيش ضمن حدود الأقاليم التي بسطت عليها الإمبراطورية الروسية سيطرتها للتأثير الكامل على منطقة الشرق الأوسط، ومن ناحية أخرى، فإن تلك التجمعات الكوردية مثَّلت موقعاً متقدماً في "أرض العدو" تأتي منه ضمان بناء أو تعطيل أي خطوط لإمدادات الطاقة إلى أوروبا من إيران وتركيا، بعدما أفلحت في الهيمنة على خطوط النقل القادمة إليها من بحر قزوين وآسيا الوسطى.

شهد تاريخ العلاقات الإيرانية الروسية وتحديداً في النصف الثاني من القرن الخامس عشر أولى التحالفات السياسية للتصدي لخطر الإمبراطورية العثمانية من التدخل المسلح في شؤون القوقاز، وتمكن الروس في تلك الحقبة من السيطرة على الطريق المائي لنهر "فولغا" وصولاً إلى بحر قزوين حارمين التجار الإنكليز من التجارة الحرة عبر أراضيها، فأدرك الإنكليز أهمية هذا الممر التجاري وسبب التوسع الروسي في القسم الأكبر من آسيا الوسطى بحجة الخطر العثماني.

بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى وقعت إيران تحت الاحتلال الكامل من قبل روسيا وبريطانيا وتركيا رغم التزامها الحياد، منتقلة بمعاهدة بريست الروسية الألمانية عام 1918 إلى الوصاية البريطانية بانسحاب القوات الروسية، لتصبح إيران قاعدة بريطانية تنطلق من جنوب القوقاز العمليات الحربية ضد الدولة السوفيتية، ورغم محاولة إيران الاستقلال بدعم روسيا القيصرية، إلا أن بريطانيا أفشلت حكومتين قبل أن ينجح انقلاب ضياء الدين عام 1921 وتعترف روسيا بحدود اتفاقية عام 1881 بحق الاستعمال المشترك للأنهر الواقعة على الحدود الفارسية الروسية والحماية المشتركة، مانحة صلاحية الإجراءات العسكرية اللازمة دفاعاً عن الذات في حالة عجز الدولة الفارسية حماية وحدة أراضيها، وتحت هذا البند تمكنت القوات الروسية بتحالف بريطاني من إسقاط حكومة رضا بهلوي المنحاز إلى المعسكر النازي وإحباط المخطط الألماني في الحرب العالمية الثانية واحتلال إيران بحجة حماية الحقول النفطية الإيرانية من القوات الألمانية النازية، ودعم الفكر القومي لإنشاء كيانات غير معترف بها على الأراضي الإيرانية هما جمهورية مهاباد الكوردية التي أسقطتها إيران بعد انسحاب القوات الروسية وأعدمت قاضي محمد ولجوء مصطفى البارازاني إلى العراق، وجمهورية أذربيجان الجنوبية التي أسقطت بعد مباركتها من الاتحاد السوفييتي لحماية مصالحها النفطية مع تركيا وإيران تمهيداً لتأسيس شركة النفط السوفيتية الإيرانية المختلطة.

إلا أن استقلال إيران وضغط الولايات المتحدة وبريطانيا، فكَّ التعاقد النفطي عام 1947 واستبدله باتفاقية البعثة العسكرية الأمريكية التي زادت من سيطرة المستشارين العسكريين الأمريكيين على الجيش الإيراني، متخذه موقفاً معادياً للسوفييت، وفي عهد محمد مصدق دعم حزب "توده" الإيراني تأميم شركه النفط الإنكلو-إيرانية (APOC / AIOC)، فأسقطت حكومة محمد مصدق عام 1953 بتحريض بريطاني للولايات المتحدة خشية تحالف حزب "توده" بالمعسكر الاشتراكي، وأوكلت الولايات المتحدة الأميركيه لبريطانيا إنشاء حلف بغداد عام 1955 للتصدي للمد الشيوعي، مقدمة العون الاقتصادي والعسكري لأعضائه لدخول القوات الأمريكية في الأراضي الإيرانية وتحويلها إلى رأس جسر عسكري أمريكي، ورغم اتفاقية الحدود وتذكرة التفاهم لعام 1962 لإعادة الثقة بين موسكو وطهران، إلا أن توتر العلاقات ظل قائماً إلى ما بعد انتصار الثورة الإيرانية في 1979، واستيلاء الخميني على السلطة وإعلان الجمهورية الإسلامية، حيث رحبت موسكو بهذه الثورة، ورغم تعثرها بين إمداد صدام بالسلاح وحرب أفغانستان.

إلا أن العلاقات توترت ولم تنقطع، فرغم التقاء البلدين على طاولات شراكة سياسية واقتصادية وعسكرية، إلا أنهما شكلا تحالفاً للضرورة، وهذا لأن مسببها الأساسي لن يزول في المدى القريب، ألا وهو قيادة الولايات المتحدة الأمريكية الأحادي لسفينة النظام الدولي، فكان عام 1992 خطوة انتصار أولى نحو الأمام في العلاقات الإيرانية الروسية بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي، بتوقيع البلدين اتفاقية تعاون مشترك لبناء مفاعل "بوشهر" النووي كجزء من اتفاقية طويلة الأمد، وبوصول بوتين إلى السلطة عام 2000 بدأت روسيا تفكر بتعزيز مكانتها في آسيا الوسطى، وبالعودة إلى الشرق الأوسط ما دفعها لإعادة تقييم دور إيران الجيوستراتيجي وتأثيرها المباشر في منطقة القوقاز وبحر قزوين وآسيا الوسطى، وأثار الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان والعراق قلقهما المشترك من تقدم حلف الناتو نحو الشرق، فحاول بوتين تشكيل جبهة تعارض السياسة المتسلطة والتوسعية للولايات المتحدة تضم الصين وإيران والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا BRICS، لإعادة خلق نوع من التوازن في العلاقات الدولية لإنهاء سياسة القطب الواحد.

منذ سلسلة عقوبات مجلس الأمن على إيران في الأعوام 2006، 2007، 2008، 2011 حتى 2018 لعبت روسيا دور الحكم والوسيط وانتفعت من الهلال الإيراني (العراقي السوري اللبناني)، والحركات القومية الكردية لتأسيس تواجد إستراتيجي طويل المدى في المنطقة يفرض شروطه على الولايات المتحدة ويحقق طموح الشركات الروسية في النفط والغاز، حيث بدأت شركة "غازبروم نفت" العمل بالإقليم في العراق منذ عام 2012 في عدة حقول نفطية، ووطدت "روس نفت" وهي الذراع القوي للكرملين علاقاتها بالإقليم ووقعت اتفاقات كثيرة لإقراض شركات الطاقة بمليارات الدولارات مقابل شراء النفط، واتفقت على تشغيل خط لتصدير الغاز الطبيعي عبر تركيا، وجاء الإعلان عن الاتفاق الأخير قبل أيام من تنظيم الاستفتاء على انفصال الإقليم عن العراق قبل تأكيد الحكومة الروسية دعم وحده العراق لحماية مصالحها مع إيران وتركيا، فكانت القضية الكردية ورقة إضافية لتعزيز مكاسب الروس في العراق وسوريا، وللحصول على تنازلات من طهران بدعم تطلعات الكورد القومية لإنقاذ نظام بشار وتثبيت وجودهم للسيطرة على "خط الحرير" الممتد من القوقاز والانتفاع من دخول الصين في توقيع اتفاقيات الإعمار لإخراج إيران التي بدأت تزاحمها في شراء شركات الاتصالات والأراضي في حمص وطرطوس لبناء منشات التكرير والغاز، وتطبق سياسة ملئ الفراغ للتغيير الديمغرافي المذهبي بتوطين الميلشيات والتوغل في مفاصل الدولة والجيش لإضعاف الجيش النظامي وخلق جيوش موازية تتحكم بها إيران على غرار الحشد الشعبي وحزب الله لتعطيل القرار السوري كما نجحت في العراق ولبنان.

كانت روسيا محور التفاوض التركي الإيراني الإسرائيلي، ولاعب النرد في القضية الكوردية، والمنتفع الأخير من تغيير موازين القوى، ليبقى الكورد رمية النرد ما بين مُفترس وفريسة، ويبقى السؤال: متى؟، بل: لماذا؟، وكيف؟، حين قال حتى على الريح، لا أستطيع الفكاك من الأبجدية، فليت الكوردي يفهم أن هوية الوطن تحددها اتفاقيات ومصالح المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، وأن الانصهار في بوتقة الوطن المشترك لا تعني خيانة القضية.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية.