اخبار العراق الان

الدكتورة لمى الإمارة تكتب: العراقيون وأزمة الانواء الجوية

الدكتورة لمى الإمارة تكتب: العراقيون وأزمة الانواء الجوية
الدكتورة لمى الإمارة تكتب: العراقيون وأزمة الانواء الجوية

2018-12-17 00:00:00 - المصدر: لمى الإمارة


ما إن همَ بالخروج حتى عاد ادراجه، بعد رؤيته لضابط الأمن، عاد مقدم النشرة الجوية ليوضح أنَّ الطقس في البلد كان حار جاف صيفًا بارد ممطر شتاءًا وأنَّ الحال قد تغير ليصبح الطقس معتدل طوال العام بفضل منجزات "الثورة"، هذه النكتة ثقيلة الدم كان يتداولها العراقيون قبل 2003 لدلالات سياسية/ أمنية أكثر منها مناخية، ولكنها بالفعل توضح طبيعة المناخ الّذي يسيطر على العراق. فللعراقيين حكاية حزينة في كل فصل من فصول السنة، ولأكون أقرب للواقعية يجب عليَّ التوضيح بأنَّه لا يوجد في العراق فصول محايدة، فالربيع والخريف قصيرات المدة غير محسوسات الأثر لسرعتهن في الهروب أمام قسوة حر الصّيف وقوة مطر وبرد الشتاء.. ففي الصّيف يشكوا العراقيون من شحة المياه حتى تدرج الأمر نزولاً بدعوة وزير الموارد المائية السابق حسن الجنابي الذي كان مشغولا بكثرة سفرياته ولقاءاته بأن يطلب من العراقيين البدء بتجميع المياه بتنكرات مياه كبيرة. أمّا في الشتاء فالمصيبة أكبر فتتبادل الثلوج والسيول والبرد القارص أدوارهم بتباين، فهذه الكوارث وبالذات الفيضانات تحدث بطريقة مُقسّمة وعادلة جدًا في الشمال كما في الجنوب، وكل منطقة وحسب طبيعتها من جبال أو وديان أو سهول والتي ترسم بتشكيلتها الكاملة في آنٍ واحد أرض العراق. إن ظاهرة السّيول والفيضانات ليست بجديدة على العراق، إلا إن اسوأ ما في الأمر إن هذه السّيول أتت لتزيد من أزمات بنيوية موجودة على أرض الواقع فنزلت في مناطق لتضيف معاناة جديدة للمعاناة التي يعيشُها سكان تلك المناطق المتأثرة. وعلى الرغم من أنَّ غرق المدارس والبيوت بكل ما تحويه من اثاث وممتلكات يعتبر أمراً كارثياً إلا انه يبقى أهون، ولو بدرجة، من غرق خيمة لاجئ فقد بيته وسكن العراء، وكلا الأمرين صعب ومر. باعتقادي إن تصوير مقدمة النشرة الجوية من زاوية جانبية وهي تستعرض أحوال الطّقس تعد رفاهية لا تناسب المواطن العراقي في وضعه الراهن، فليس للعراقي مشاريع تخييم قرب الأنهار او رحلة للصيد في البر، جل هم المواطن العادي هو الخروج للبحث عن لقمة عيش والرجوع سالم الى بيتٍ بمياه نظيفة وكهرباء مستمرة وسقف يغطي رأسه، كان الأجدر إرسال تنبؤات الحالة الجوية إلى الدوائر المعنية لتقوم بالعمل المناسب لتقليل أضرار الأمطار وفيضاناتها، وإذا كان من بُد إرسال رسائل توعوية وتحذيرية لسكان المناطق الخطرة تحذرهم وترشدهم لسبل النجاة وليس تركهم غائبين مُغيبين لا يعلموا كيف يواجهون هكذا وضع. تحدث الفيضانات في كل بلدان العالم المتقدم منها والمتأخر، فمثلًا في ويلز البريطانية تحدث الفيضانات كل شتاء تقريبًا، لكن هنالك مؤسسات وهيكلية تخفف من شدة الآثار، فالاستعداد المبكر قبل حدوث المحظور من خلال فتح مجاري المياه والتخلص من الانسدادات، وتهيأت السدود، أمور كان من المفترض أن تنجز في فترة الصّيف، أمّا أثناء نزول الكارثة فمن خلال فرق الدفاع المدني وبقية الدوائر ذات الصِّلة، هكذا كان من الممكن أداء هذه المهمة بخسائر أقل. نعم سمعنا إن كوادر الموارد المائية وهيئة السدود قامت بالتحرك في فتح السدود والقنوات، نعم السّيول قد خففت من أزمة شحة المياه وتم خزنهما، نعم المناطق المتضررة كانت تحت سيطرة تنظيم داعش، لكنها تحررت من سنة مضت، وتجارب السنين الماضية كان يجب أن تعيننا على التنبؤ والاستعداد لما حدث وليس الانتظار إلى أن يقع المحظور ومن ثم نبدأ التحرك، مشاكل الصّيف يبدأ العمل على تجاوزها في الشتاء ومشاكل الشتاء يستعد لها في الصّيف. صحيح إن مشكلة الدولة العراقية أنها تقف على رجل واحدة وتحارب على أكثر من جهة، مشتتة الانتباه غير مستقرة الإدارات ولا واضحة السياسيات، لكن لا بدَّ من أن نبدأ من نقطة ما لنبني عليها بدلاً من أن نبدأ في كل مرة من الصّفر أو بعد خراب البصرة كما يقول المثل العراقي. د.لمى الإمارة/ باحثة من العراق